الكرامة نيوز - المحويت
البرهان أن الشيطان لا يسكن جسد الإنسان
جمع مادته وأعده / خالد محمد شويل
الفصل الأول
عدم حجية أدلة القائلين بدخول الجن جسد الإنسان
الفصل الأول
عدم حجية أدلة القائلين بدخول الجن جسد الإنسان
مــقــدمــة
الحمد لله رب العالمين القائل (( إن كيد الشيطان كان ضعيفا )) والقائل ((أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)) والقائل ((اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ )) والقائل ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ))
والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله علية وسلم القائل ((لا تقل تعس الشيطان فإنك إن قلت تعس الشيطان تعاظم وقال بقوتي صرعته وإذا قيل بسم الله خنس حتى يصير مثل الذباب)) والقائل ( : إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
اما بعد نظراً لما يعانيه البعض من التباس المفاهيم حول مسالة تلبس الجن بالأنس الى درجة ان بعض المرضى اصبحوا يعيشون في وهم وخوف وقلق بسبب اعتقادهم بان اجسادهم تسكنها الجن والشياطين ولكثرة انتشار مراكز العلاج بالقران الكريم في الفترة الاخيرة وكثرة الحديث عن تلبس الحن بالأنس وما نجم عنه من سواء فهم لمسالة التداوي بالقران الكريم رأيت أن اقوم بإعداد هذه الرسالة المتواضعة التي سأقوم خلالها بتوضيح مسالة هامة غابت عن اذهان الكثير الا وهي مسالة تلبس الجن بالإنس حيث وان ترثنا الديني الثقافي تكلم عن هذه المسلة وهي مسالة خلافية منذ العصور الاولى للاجتهاد بالري ونشواء المذاهب الاسلامية
ولان البعض يصور المسالة على انها مسالة عقدية لا خلاف فيها متجاهلا التراث الكثير الذي يجده الباحث في هذه المسالة ولما يقوم به البعض من ممارسة الرقية الشرعية بصورة جماعية وتروجيه لفكرة تلبس الجن بالإنس على انها حقيقة متفق عليها بل وصل الحد الى القول بتكفير من انكر هذا الامر متجاهلا اقول العلماء الافاضل من اهل السنة والجماعة وادلتهم وجزمة بالمسالة وقولة ان فيها ادلة صريحة من القران الكريم وصحيحة من السنة النبوية حتى اختطت المفاهيم عند العوام من الناس رأيت ان اقوم بإعداد هذه الرسالة حيث سأقوم بتوضيح القول الاخر وهو مسالة عدم التلبس من قبل الجن بالإنس بالطريقة التي يفهمها ويروج لها هؤلاء ولتوضيح ان الخطاء ليس في الادلة لكنه في فهمها وان ما يستدل به القائلين بالتلبس ادلة اما صحيحة وغير صريحة او صريحة غير صحيحة .
وأنوه بإن بحثي هذا لا يعني انكاري لمسالة التداوي بالقران وانما توضيح لفقه وترث اسلامي ارى انه سيساعد في التخفيف من معناه بعض المرضى الذي يتوهمون انهم مسكونين من قبل الشياطين
سائلا من الله الوفيق والسداد
مــدخـــــل
خلق الله الانس والجن لعبادته وطاعته فقال تعالى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) والمتأمل الى آيات القران يجد ان الله خاطب عبادة من الجن والانس فذكر الجن مع الانس في تسعة مواضع من القران بحيث قدم الجن فيها على الانس وذكر الانس والجن وقدم الانس على الجن في ثلاثة مواضع
وبين جل في علاه أن عدوا بني ادم هو الشيطان الذي يسعى لصرف الانسان عن عبادة الله فقال تعالى ((يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا))
وجعل عالم الشياطين منعزلا عن عالم الانس بحيث لا يمكن للأنس ان يسمعوا او يروا الجن فقال تعالى ((إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ))
وبين الله جل في علاه ايضا ان جنود الشيطان قد تكون من الجن والانس على السواء فقال تعالى ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا))
وقد خلق الله الجن والانس واقتضت حكمته أن يكون خلق الجن قبل خلق الانس بزمن طويل ولذلك قدم الله الجن على الانس اكثر من تقديم الانس على الجن في القران الكريم .
وقد خلق الله الجن من مادة تختلف عن مادة خلق الجن فقال تعالى ((خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ))
ولذلك فان عالم الجن يختلف تماما عن عالم الانس ولا يزال عالم الجن غيبي لا نعلم منه الا ما علمناه من كتاب الله وسنه نبيه عليه الصلاة والسلام .
وعلى الرغم من ان الله خلق الجن قبل الانس الا ان الله فضل واصطفى الانس على الجن وانعم عليهم بان جعلهم خلفاء الارض وورثة العلم ومن على يدهم تعمر الارض وتحكم الشريعة .
وقد سلط الله الشيطان على هذا الانسان ليفتنه عن دينه وعبادة ربه وجعل جنود الشيطان شياطين الجن بل وشياطين الانس كما ذكرنا سابقاً .
ولذلك فان الانس يخوضون حرب مع الشيطان وجنوده منذ ان نزل ادم عليه السلام الى الأرض وهذه الحرب حرب من اجل الحفاظ على العقيدة السليمة التي يسعى الشياطين الى حرفها عن مسارها الصحيح فقد اقسم ابليس لله عز وجل على هذا الامر كما قال تعالى ((لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ))
وقد بين الله في القران سبيل الشيطان وجنوده في اغواء بني ادم كما ذكر الله ذلك على لسان الشيطان وهو يخاطب اتباعه ومن وقعوا في شراكه فقال تعالى (({وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم...} فبين أن سلطان الشيطان على الانسان هو الوسوسة والاغواء والتزيين
ولان الشيطان مخلوق من مادة اخرى غير مادة الانسان فان الانسان لا يستطيع ان يسمع كلام الشيطان بحاسة السمع كما انه لا يستطيع ان يراه بحاسة البصر الا في حالات بينتها السنة عندما يتصور الشيطان بصورة الانسان او غيره ولذلك جعل الله وسوسة الشيطان في الصدور وليس في الاذان كما قال تعالى (( الذي يوسوس في صدور الناس )) ومما يجدر الاشارة الية ان المسلمين بل وغيرهم اختلفوا قديما وحديثا حول مسالة هامة ليست من مسائل العقيدة ولا من فروع الفقه بل تتعلق بسبيل وسلطان شياطين الجن على الانس والمتمثلة في القول بدخول الجن في جسد الانس من عدمه فطائفة تقول انه بإمكان الجن ان تسكن جسد الانس بل والتحدث بلسانه والتحكم في حركاته وتصرفاته ويسمون هذا بالمس الشيطاني وطائفة تنكر امكانية دخول شياطين الجن في جسد الانس وتقتصر المس الشيطاني في الوسوسة والاغواء والتسلط بالإيذاء النفسي الذي يوحيه الشيطان في قلب وصدر الانسان فقط
وهذا الاختلاف لم يظهر الا متأخرا عن القرون الاولى بعد ان عجمت السن العرب ودخلتها العامية في اللغة ففهم فريق الآيات والاحاديث فهم يدل على دخول الجن في الانس بينما الفريق الاخر فهمها فهم اخر وانكر فهم الفريق الاول للنصوص الشرعية وقال ان النصوص صحيحة لكنها ليست صريحة ولا تدل دلاله قطعية على ما يقوله الفريق الاول من تمكن الجن من دخول جسد الانس والتحكم فيه وصرعه
واستمر هذا الخلاف الى اليوم ولعل حكمة الله تقتضي استمرار هذا الخلاف الا ان يشاء الله لحكمة قدرها وارادها سبحانه
ونظر لوجود هذا الخلاف فقد اتجه البعض الى علاج المرضى المصابين بالصرع بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة حتى ظهرت العديد من المراكز التي تختلف في الاسلوب ما بين معتدل ومقتصد في اسلوب الرقية والعلاج وما بين مبالغ في اسلوب الرقية وطريقة التعامل مع المريض
ولا ينكر احد ان القران والرقية الشريعة شفاء للقلوب والابدان من كل الامراض النفسية بل والعضوية كما قال تعالى ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا)) وقال ايضا (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)
فالقران شفاء ورحمة لمن امن به واعتقد بشفائه لكنه لا يزيد الظالم الا خسارا واثره في قلب المؤمن عظيم لكن وقعة في قلب الفاجر والكافر اليم
ولذلك فان القران يطرد الشياطين لما له من وقع اليم في قلوبهم واذانهم ويستوي في هذا شياطين الجن والانس على حد سواء ولذلك نجد من العصاة من بني ادم من يتضايق بل ويتلون ويرتعش من شدة الضيق الذي يجده في صدرة عند سماع آيات القران وذلك لان الشيطان قد استحوذ علية
وحتى يتضح الامر للأخ القارئ فاني في هذه الرسالة لا انكر حقيقة المس الشيطاني للإنسان فالمس حقيقة قرانيه ثابتة في القران والسنة الصحيحة ولكني اميل الى الفريق الثاني الذين يعترفون بحقيقة المس وينكرون طريقته فالمس لا يعني على الاطلاق الدخول الى الجسد
وسوف اقوم خلال هذه الرسالة بجمع الادلة التي ترجح القول بعدم قدرة شياطين الجن على الدخول في جسد الانس واقوم بجمع شروح الأدلة من كتب العلماء والمفسرين ويقتصر دوري في ذلك وليس لي أي راي فيها الا ما سأقوم بذكره وتبيينه في موضعه سائلا من الله العلي القدير التوفيق والسداد
وما توفيقي الا بالله
منهج البحث وخطواته
أخي القارئ سأعتمد على المنهج الوصفي التاريخي خلال خطوات هذه الرسالة من خلال جمع الأدلة والبراهين التي ترجح القول بعدم قدرة الشياطين على سكون جسد الانس وشرح الأدلة والبراهين من خلال كتب العلماء والمفسرين وذلك في المباحث التالية
1- المبحث الأول / وفيه سوف اقوم بذكر الأدلة التي يستدل بها القائلين ان الجن بإمكانهم ان يسكنوا جسد الجن ولك لهدفين هما :
أ- الهدف الاول الأمانة العلمية التي تحتم ذكر اراء المخالفين لما يخالفه الانسان ويثبت ضده ليطلع عليها القارئ والمتابع ويقارن بين قول هذا واك فليس من العدل والانصاف ان تخالف قول احد وتخفيه بل تخالفه وتظهر ادلته وتبين مواضع الخطاء التي تراها
ب- الهدف الثاني استخدام هذه الادلة لا ثبات عدم تمكن الجن من سكون ودخول جسد الانس وان المس لا يعني الدخول لكنه يعني الاغواء والوسوسة وذلك من خلال ذكر الفهم الذي اميل اليه لهذه الأدلة
2- المبحث الثاني / وفيه سأقوم بذكر ادله القائلين بعدم تمكن الجن من دخول جسد الانس وان المس لا يعني الدخول الى الجسد لكنه يعني الوسوسة في الصدر وفي المقابل سأذكر للأمانة العلمية ردود الفريق الاول على هذه الادلة ان وجدت كلا في موضعه
3- المبحث الثالث / وفيه سأقوم بذكر الأدلة العقلية من اقوال العلماء والباحثين في هذا الموضوع
4- المبحث الرابع / وفيه سأقوم بذكر الأدلة العلمية من خلال الحقائق العلمية المعاصرة الصحيحة والمتفق عليها بين علماء العلوم الطبيعية الحديثة
5- المبحث الخامس / وفيه سأقوم بذكر الحالات التي تم علاجها بالقران في عهد النبي وشرحها ثم اقوم بذكر محظورات التداوي بالقران من كتب العلماء
6- المبحث السادس / وفيه الخاتمة والنتائج والتوصيات
اشارة وتوضيح :
قبل البداء في خطوات ومباحث الرسالة اود ان ابين ان الله سبحانه وتعالى لن يسال العبد في قبره هل يسكن الجن جسد الانسان ام لا وان الخلاف في هذه المسالة لا ينبغي ان يكون خلاف تضاد بل خلاف تنوع يجب التعامل معه وفق منهج سلف هذه الامة الذين كانوا يقولون (قولي صواب يحتمل الخطاء وقول غيري خطاء يحتمل الصواب )
واواكد على أن الامور المتفق عليها في هذا الموضوع اهم من الامور المختلف فيها فالجميع يتفق على ان الشيطان عدو مبين لبني ادم فيجب الحذر منه ان يوقع بيننا العداوة والبغضاء ويصرفنا عن الاصول ويفرقنا في الفروع والجميع يتفق ان القران شفاء ورحمة للمؤمنين فعلينا جميعا ان نرجع اليه في جميع جوانب الحياة والجميع يتفق ان الشيطان لا يتسلط الا على من يتولاه فعلينا ان نتخذه عدوا لنا جميعا
هذا وبالله التوفيق والسداد
المبحث الاول :-
عدم حجية أدلة القائلين بدخول الجن جسد الإنسان
سبق وأن قلنا أن الخلاف حول مسألة دخول الجن جسد الانسان لم ينشئ الا في مرحلة متأخرة بعد ان دخلت العامية في اللغة وكثر المسلمين وبداء عصر الاجتهاد .
والجدير ذكره أن قالوا بتمكن دخول الجن الجسد اعتمدوا على نوعين من الادلة كالاتي
· ادلة صحيحة لكنها غير صحيحة وفسروها تفسيرا جزئي فمثلا فسروا سورة الناس في قوله يوسوس في صدور الناس فقالوا أن قوله تعالى (في صدور الناس ) يعني داخل صدور الناس لان في مصدرية تفيد المكان ونسوا الاطار الكلي للآية الذي يبين ان الصدور هي مكان الوسوسة لا مكان الدخول وان هذه الوسوسة عامة لجميع الناس وليست خاصة بالممسوسين وهذا ما سأبينه في موضعه .
· ادلة صريحة غير صريحة أو لها روايات اخرى واستدلوا بها وهذا في اصول الحديث خطاء فالحديث الحسن يفسر في إطار الصحيح وليس مستقلا عنه والحديث الذي في الترمذي لا يقدم في الاستدلال عند وجود رواية اخرى بلفظ اخر في صحيح مسلم
ولذلك قبل ان ابدا بذكر هذه الادلة سأعرج على اصول التفسير قليلاً لكي نتمكن من فهم الدلالات العامة وكيف يمكن ان يستنبط العلماء المدلولات من خلال المقاصد العامة للشرع من خلال التعريج على المنهجية الصحيحة للفهم والاستدلال في الفقرة القادمة
المطلب الاول / المنهجية الصحيحة للفهم والاستدلال
أن الأزمة المعرفية التي تعاني منها العقلية الإسلامية اليوم هي أزمة منهجية تولّد عنها أزمة معرفية تولّد عنها أزمة تصورية، تولد عنها ما يمكن تسميته بالعقلية النصية الجزئية لا الكلية ونقصد بهذه العقلية: العقلية البسيطة غير القادرة على الفهم التحليلي الاستنباطي التركيبي العقلية التي تستخدم ملكة الحفظ أكثر من ملكة الفهم ولذلك نجدها تتعامل مع النصوص الشرعية بطريقة مجزأة كنصوص وليس كمواضيع، في حين أن المنهجية الصحيحة لفهم القرآن والسنة هي البحث فيهما كمواضيع وليس كنصوص مجزأة بجمع كل نصوص الموضوع الواحد في وحدة موضوعية واحدة مع التمييز بين مراتب الأدلة موضوع الإستدلال إحكاماً وتشابهاً يقيناً وظناً قوة وضعفاً أصولاً وفروعاً كليات وجزئيات سنداً ومتناً عاماً وخاصاً مجملاً ومقيداً.
وقد ذكرت كتب اصول التفسير بعض القواعد العامة التي يجب اتباعها عند التفسير الموضوعي لنصوص الشريعة يمكن ايجاز الحديث عنها فيما يلي :-
1- الربط بين مقاصد الشريعة وكليتها فحتى نفهم نصوص الوحي فهماً لا يخل بوحدتها الموضوعية لا بد من الربط بين مقاصد الشريعة وكلياتها وجزئياتها ربطاً يؤدي إلى تساوق وتوافق هذه المحاور وتولد بعضها عن بعض لا فهماً يضرب بعضها ببعض
2- البحث في الكليات العامة للنصوص قبل الفرعيات فحتى نفهم نصوص الوحي فهماً لا يخل بوحدتها الموضوعية لا بد من البحث في نصوص الوحي كموضوعات وليس كنصوص مجزأة فأبحث على سبيل المثال موضوع الولاية العامة والخلافة أو موضوع آل البيت كموضوع كلي.وفي هذا السياق يتم جمع كافة النصوص الواردة في القرآن والسنة المتعلقة بالموضوع ثم فهمها فهماً متوافقاً كوحدة موضوعية واحدة يفسر بعضها بعضاً لا فهماً متضارباً متعارضاً بين نصوص الموضوع الواحد.
3- التفريق بين أصول معاني الموضوع (المحكمات) وفروعه (المتشابهات) فلا يمكن الوصول إلى الفهم المحكم لأدلة الموضوع الواحد إلا إذا تم تحديد أصول الموضوع أولاً ثم تركيب فروع الموضوع على أصوله لأن منشأ التشابه يأتي من الإستشهاد بالأدلة الفرعية قبل أصولها.
4- عرض الموضوع الكلي على المقاصد العامة للتأكد من عدم فهم هذا الموضوع بما يعارض المقاصد العامة وهذا بعد البحث الكلي عن موضوع معين في القرآن والفراغ من تحديد أصوله وفروعه
5- الفريق بين نصوص السنة الاحادية السند والاحاديث المتواترة فاذا وجد حديث صحيح احاد واخر صحيح متواتر في نفس الموضوع وبلفظين مختلفين فيقدم مدلول المتواترعلى الاحاد كما أنه من المعلوم أن الإمام مالك رضي الله عنه الفقيه والمحدث المعروف صاحب كتاب الموطأ كان يقدم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد
6- التعامل مع نصوص الوحي برؤية كلية شمولية تدخل جزئيات الشريعة ضمن كلياتها وتدرج كليات الشريعة تحت مقاصدها ليتشكل من هذا الترابط نسيج محكم يتحقق من خلاله التوافق الموضوعي للنصوص، وبيان محاذير الإستدلال المجزأ للنصوص الذي قد يؤدي إلى تعارض النصوص بعضها مع بعض وإلى فهم بعض النصوص الجزئية فهماً سطحياً مباشراً يطوّح بمقاصد الدين وغاياته ومراميه.
7- اجماع الصحابة والتابعين يعتر حجة على من بعدهم في التفسير اما عند وجود الخلاف فلا يعتبر قول البعض حجة على الاخر قال شيخ الإسلام ابن تيميه إذا أجمعوا – يعني التابعين – على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن ، أو ألسنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك .
المطلب الثاني / اسقاط القواعد على ادلة من قالوا بدخول الشيطان الى الجسد
بعد أن ذكرنا القواعد العامة للفهم والاستدلال ووضحنا ان الادلة الجزئية ينبغي أن تفسر وفق المقاصد الكلية للإسلام وليس العكس سنقوم الان بإسقاط هذه القواعد على الادلة التي استدل بها القائلون بدخول الشيطان الجسد وصرعة والتحدث بالسانه وذلك كما يلي :
الدليل الأول :-
ويتمثل في قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) )البقرة: 275(
وهذا الدليل يعتبر سيد الادلة عند من يقول بدخول الجن في الانس واستدل أصحاب هذا القول بهذه الآية الكريمة على أن الجني يستطيع الدخول إلى بدن الانسان حيث فسر المس بدخول الجني بدن الممسوس فيصرعه .
ويقول بهذا الرأي من العلماء (الطبرى والماوردي و البغوي والنسفي و ابن كثير و ابن تيمية وابن القيم وآخرون من السلف والمعاصرين ,
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية السابقة (أي: لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك أنه يقوم قياماً منكراً). (تفسير القرآن العظيم – 1 / 334)
وقال ابنُ حزمِ في " الفصل " (5/113) : " وأما الصرعُ فإن اللهَ عز وجل قال : " الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ " فذكر عز وجل تأثيرَ الشيطانِ في المصروعِ إنما هو بالمماسةِ ، فلا يجوزُ لأحدٍ أن يزيدَ على ذلك شيئاً " .ا.هـ.
ويمكن تبيين عدم صلاحية استخدام هذه الآية للاستدلال على دخول الشيطان في الجسد وصرعة والتحدث بلسان من خلال الاوجه التالية :
أ - الوجه الأول :-
لا يوجد معني واحد من معاني المس بأنه يعنى دخول جسم الممسوس يقول الشيخ الشعراوي ( وسائل الشيطان في الإغواء متنوعة فمنها النزغ – ومنها الهمز – ومنها الوسوسة – ومنها المس – فكلمة نزغ معناها نخس وهى تختلف عن اللمس لأنه بين الناخس والمنخوس مسافه اما المس فهو مباشرة بلا مسافة ولكن لا تدرك ولا تحس بحرارة من مس اما اللمس فإنه إدراك الملموس إذن فهناك ثلاث مراحل النزغ والمس واللمس .
وفيما يلي بيان لمعاني المس مقرونا بالأدلة من الكتاب والسنة وهي كما يلي :-
1- تفسير المس بالزواج أو بالجماع أو الوطء ففي الآية الكريمة على لسان مريم :(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) قال البغوي في تفسيره : (من أين) (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)) لم يقربني زوج ) ) وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً )فاجرة؟ تريد أن الولد يكون من نكاح أو سفاح ، ولم يكن هنا واحد منهما . وقول مريم أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أكن بغيا ردا على من يقولون بجواز وطء الجني الإنسي ولو كان ممكنا لقالت (ولم يمسسني بشر ولا جني ) لأنها هنا في مقام نفى الشبهة ونفى أسباب الحمل ولو كان وطء الشيطان جائز لقامت بنفيه أيضا .والآيات في القران كثيرة حول هذا المعنى مثل في قوله تعالى : لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
وكذلك قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49(ومعنى قبل أن تمسوهن في الآيتين الكريمتين دلتا على الجماع أي من قبل أن تدخلوا بهن وهو تفسير جمهور العلماء , وفي حديث سعيد ابن جبير قال :ذكروا اللمس , فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع . وقال ناس من العرب : اللمس الجماع . قال : فلقيت ابن عباس فقلت له : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس , فقالت الموالي : ليس بالجماع . وقالت العرب : الجماع . قال : فمن أي الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي . قال : غلب فريق الموالي .إن المس واللمس والمباشرة: الجماع , ولكن الله يكني ما شاء بما شاء) والشاهد من الحديث ان المس يعني المباشرة أي الجماع
وكذلك قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49(ومعنى قبل أن تمسوهن في الآيتين الكريمتين دلتا على الجماع أي من قبل أن تدخلوا بهن وهو تفسير جمهور العلماء , وفي حديث سعيد ابن جبير قال :ذكروا اللمس , فقال ناس من الموالي : ليس بالجماع . وقال ناس من العرب : اللمس الجماع . قال : فلقيت ابن عباس فقلت له : إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس , فقالت الموالي : ليس بالجماع . وقالت العرب : الجماع . قال : فمن أي الفريقين كنت ؟ قلت : كنت من الموالي . قال : غلب فريق الموالي .إن المس واللمس والمباشرة: الجماع , ولكن الله يكني ما شاء بما شاء) والشاهد من الحديث ان المس يعني المباشرة أي الجماع
2- تفسير المس باللمس : فسر المس بالمس كما جاء في آيات كثيرة كما فى قوله تعالى : ( قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (97) (القصص (فجاء المس هنا بمعنى اللمس قال الطبري يقول تعالى ذكره : قال موسى للسامري : فاذهب فإن لك في أيام حياتك أن تقول : لا مساس : أي لا أمس ، ولا أمس) (تفسير الطبري,;وكذلك قوله تعالى : لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79(أي لا يلمس كتاب الله إلا من كان طاهرا حتى لا نتعامل مع كتاب الله كتعاملنا مع أي كتاب وضعي فعندما نتجهز بالطهارة نستشعر بعظمة كتاب الله في قلوبنا . والشاهد هنا ان المس فسر بمعنى اللمس وليس الدخول وكذلك من السنة ففي الحديث الذي رواه الإمام احمد في مسندة . أن النبي صلى الله عليه وسلم كساه حلة سيراء وكسا أسامة قبطيتين ثم قال ما مس الأرض فهو في النار: في هذا الحديث يعلم النبي أسامة أن لا يطيل ثوبه حتى يلامس الأرض فمعنى ما مس الأرض أي ما لمس الأرض من الثوب. و الشاهد تفسير المس بالمس كما في الأحاديث والآيات والأدلة في هذا كثيرة لا تحصى نكتفي بما ذكرناه
3- تفسير المس بما نصاب به من ضر أو نفع كما ذكر الله في قولة تعالي) : إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140( و في قوله عز وجل (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ) أي يصيبكم قرح وعبر عن القرح بالمس كأنها إصابة لصيقة وملامسة للممسوس وفي هذه الآية الكريمة دليل علي استخدام لفظ المس بمعني أصابكم وأيضا في قولة تعالى ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214( أي أصابتهم البأساء والضراء وهكذا في آيات أخرى نكتفي بماذكرناه حتى لا يطول المقام
4- لفظ المس يستخدم للخير والشر , يستخدم لفظ المس للكلام عن الخير او للكلام عن الشر او الضر على حد سواء ودليل ذلك قال تعالى : وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (17(وقوله تعالى : ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) وفي قولة تعالي : إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)وفي هذه الآيات دليل علي استخدام لفظ المس للإشارة إلى الخير وكذلك للإشارة إلى الشر على حد سواء
5- لفظ المس يستخدم لمس العقل بالجنون كثيرا ما يستخدم المس بمعنى الجنون ونسب العرب الجنون إلى الجن أي المجنون مسته الجن وهي على غير الحقيقة واقعا لان كل حالات الجنون لا دخل للجن بها مطلقا وإنما هو من قضاء الله عز وجل والشواهد على ذلك كثيرة وفي ويقول الشيخ الشعراوي (ولكن ما هو المس الله عز وجل يقول عن الذين يأكلون الربا (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) فكأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مما افسد استقامة ملكاته والتكوين الإنساني له استقامة من الملكات بحيث تتسق كل حركه مع غيرها فإذا ما مس الشيطان أحدا من البشر فإن هذا الإنسان الممسوس يفقد انسجام حركات جوارحه فتتخبط ملكاته مع بعضها البعض وتكون حركاته غير منتظمة وغير منطقية إذا أردنا هذا الوصف في الأخرة فهي سمة تميز أهل الربا وإذا أردناه في الدنيا فهي سمة لحركة الإنسان غير المنطقية ) (الشيطان والإنسان ص 86(
ب - الوجه الثاني :-
قال المفسرون قولة تعالى لا يقوم الا كالذي يتخبطه الشيطان من المس فيه تشبيه و التشبيه لا يقتضي المطابقة دائما وإنما للتقريب الأمر إلى عقل المخاطب وبالتالي التشبيه بقولة عز وجل (إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) على سبيل المجاز وليست الحقيقة كما في قوله عز وجل: ( اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)) (النور )وقد يكون هذا التشبيه علي سبيل المجاز وليس على الحقيقة
ت- الوجه الثالث :-
طالما ان لفظ المس له معاني متعددة فاختيار احد تلك المعاني يحتاج إلى مرجح له لأنه لفظ مجمل وذلك إذا سلمنا بأن المس من معانيه دخول جسد الممسوس ولا صحة لذلك
ث-/ الوجه الرابع :-
عندما اراد الله عز وجل لفظ يدل على إدخال موسي يده في جيبه قال اسلك يدك ولم يقل مس يدك في جيبك واسلك تعني ادخل يدك في جيبك في قوله تعالي : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32(
ج- الوجه الخامس :-
لفظ يتخبطه الوارد في الأيه ليس من معانيه الدخول بالبدن كما أن هذا الوصف وصف في لأكل الربا حال قيامه في الأخره والأخره غيب و الشيطان أيضا غيب فيجب علينا أن نتوقف في الغيبيات على النصوص ولا نعمل عقلنا فيما لا نعلم من الغيبيات قال الشافعي رحمة الله (من ادعى أنه رأى شيطانا فلا نقبل شهادته، لأن الله سبحانه و تعالى قال: إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم(
شــبــهــه
ربما يقول قائل وكيف يشبه رب العالمين غيب بغيب أي مجهول بمجهول بالنسبة لنا والأصل في التشبيه أن نشبه مجهول بمعلوم
الجواب
قد يشبه رب العالمين غيب بغيب وهذا وارد في القران الكريم في عدة مواضع كما في قولة سبحانه : عن شجرة الزقوم ( إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)) شبة رب العالمين طلع شجرة الزقوم وهي غيب برءوس الشياطين وهي غيب لاستحضار كل إنسان أقبح صورة في خيالة ويسقطها على هذا التشبيه وكما يقل الشيخ الشعراوي لو إننا طلبنا من مجموعة طلاب تخيل صورة الشيطان لتخيل كل واحد منهم اكبر شيء فزعا بالنسبة له ولو رصدنا لذلك جائزة لفاز بها أقبحهم تصويرا للشيطان وعل ذلك شبه الله عز وجل قيام أكل الربا بالذي يتخبطه الشيطان لتصور مدى قبحه يوم القيامة ))
ح- الوجه السادس :-
قول الله تعالى (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )( ص - 41)حيث لا تدل الآية الكريمة بحال من الأحوال على دخول الجني جسم الإنسان وان لفظة الشيطان تطلق علي الجن و الإنس قال تعالي : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وعلي ذلك يكون شياطين الإنس والجن هم اشرهم
ج- الوجه السابع :-
ما جاء في الحديث : عن ابي هريرة قال ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ، غير مريم وابنها ) . ثم يقول أبو هريرة : { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } صحيح البخاي (فلو حملنا قول رسول الله في هذا الحديث حين يقول ( إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان ) على دخول الجني بدن كل مولود يولد لكان معنى ذلك أننا جميعا بداخلنا شياطين لان رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم بألفاظ تفيد العموم
الدليل الثاني :-
ومن الادلة لأصحاب القول بدخول الجن في الانس سورة الناس قال تعالى :( الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ
فقالوا إن في هنا ظرفية تفيد دخول الجني بدن الإنسان ثم يوسوس في صدره وهذا هو ظاهر التعبير بالحرف (في) أي وهو بداخله
فقالوا إن في هنا ظرفية تفيد دخول الجني بدن الإنسان ثم يوسوس في صدره وهذا هو ظاهر التعبير بالحرف (في) أي وهو بداخله
وهذا قد يكون صحيحا في الظاهر لكنه ليس كذلك عندما نتأمل الآية القرآنية فالحرف في المذكور في الآية مصدري للمكان لكن ليس الذي يدخله الجن لكن للمكان الذي يلقي فيه الشيطان الوسوسة كون حدود سمعنا لا يمكن ان تسمع صوت الشيطان وهذا ما سأوضحه في المبحث الخاص بالأدلة العلمية لا حقا
ففي قوله تعالى ( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71)) (طه ) أي لأصلبنكم تصليبا شديدا من شدته كأن جزء من المصلوب يدخل في جذوع النخل قال الشعراوي رحمه الله في تفسيره ( المعروف أن التصليب يكون على الجذوع لذلك حاول بعض المفسرين الخروج من هذا الإشكال فقالوا في هنا بمعنى على لكن هذا التفسير لا يليق بالأسلوب الأعلى للبيان القرآني ويجب أن نتفق أولا على معنى التصليب : وهو أن تأتى بالمصلوب عليه وهو الخشب أو الحديد مثلا ثم تأتي بالشخص المراد صلبة وتربطه في هذا القائم ربطا قويا ثم تشد عليه بقوة ولتجرب هذه المسألة بنفسك وتأتى بعود كبريت وتربطه على إصبعك بشدة وسوف تجد ان العود يدخل في اللحم ساعتها تقول العود في إصبعك إذن في هنا على معناها الأصلي للدلالة على المبالغة في الصلب تصليبا قويا كأنه ليس عليه بل داخلة ) (تفسير الشعراوي مجلد 15)
وانا اضيف الى ذلك ان قوله في صدور الناس لا تدل على لزوم دخول الشيطان اصلا الى القلب فلوا ضربنا مثلا وقلنا لاحد الناس انا اليوم شاهدك في التلفاز فهذا لا يعني ان الشخص كان بنفسه داخل التلفاز ولكن الذي كان في التلفاز هو اثرة المتمثل في صورته وكذلك قول الله في صدور الناس لا يستوجب ان يكون الشيطان هو الذي دخل الى الصدر لكن اثره المتمثل في الوسوسة وسأذكر بعض الأمثلة على ذلك من القران المتمثلة في ما يلي :-
أ- دلالة الآية لا تدل اطلاقا على دخول الشيطان الى القلب فنلاحظ ان الله تعالى بين مكان وسوسة الشيطان أي مكان وصول الوسوسة فقال الذي يوسوس في صدور الناس )) ولم يقل الذي يدخل في صدور الناس والوسوسة غير الدخول فكيف يمكن القول ان هذه الآية دليل على دخول الشيطان جسد ابن ادم الله قال يوسوس ولم يقل يدخل فهل معنى الوسوسة الدخول طبعا لا فهي تعني الاغراء والتزيين
واليكم بعض ما ورد في كتب التفسير حول معنى يوسوس المتمثلة في الاتي
- ورد في ايسر التفاسير لكلام العلي القدير (من شر الوسواس ) الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى)
- وورد في التفسير الميسر ((الذي يبثُّ الشر والشكوك في صدور الناس.)
- ورد في تفسير السورة لابن عثيمين ({الوسواس} قال العلماء: إنها مصدر يراد به اسم الفاعل أي: الموسوس. والوسوسة هي: ما يلقى في القلب من الأفكار والأوهام والتخيلات التي لا حقيقة لها.)
- ورد في تفسير المارودي للسورة (وسوسة الشيطان هي الدعاء إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل ، أو يقع في النفس من أمر متوهم ومنه الموسوس إذا غلب عليه الوسوسة ، لما يعتريه من المسرة ، وأصله الصوت الخفي )
ومن خلال هذه التفاسير نجد ان الآية تدل على الامر بالاستعاذة من وسوسة الشيطان وليس من دخوله اذ ان الوسوسة تعني الاغراء بالكلام لا الدخول في الصدر .
ب- نلاحظ ان الله تعالى ذكر في الآية التالية الوسوسة التي امر بالاستعاذة منها والتي تصل الى الصدور تكون من الجنة والناس أي ان الوسواس الذي يضع وسوسته في الصدور ليس فقط شيطان الجن بل هو ايضا يكون من الانس وهذا يدلنا على ان معنى يوسوس في صدور الناس هو ما يلقى في القلب من الأفكار والأوهام والتخيلات والاغراء وهذا يكون من الجن ومن الانس ايضا فلو سلمنا بان معنى يوسوس في صدور الناس يستوجب دخول الشيطان الى الصدر فكيف نسلم بدخول شيطان الانس (الناس) وقد عطف الله الناس على الجنة في نفس السورة
واليكم بعض ماورد في كتب التفسير حول قوله تعالى ( من الجنة والناس )
- ور في ايسر التفاسير (وقوله تعالى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يعني الموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإنسان يوسوس4 بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان،)
- التحرير والتنوير صـ 635 و ) مِن ( في قوله : ( من الجنة والناس ( بيانية بينَتْ ) الذي يوسوس في صدور الناس ( بأنه جنس ينحلّ باعتبار إرادة حقيقته ، ومجازه إلى صنفين : صنف من الجنّة وهو أصله ، وصنف من الناس وما هو إلا تبع وولي للصنف الأول ، وجمَع الله هذين الصنفين في قوله : ( وكذلك جعلنا لكل نبيء عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً)
شـــبــهـــه
وقد يحتج البعض على ما ذكرت من كون قولة من الجنة والناس يجعل الاستدلال بقولة في صدور الناس على دخول الجن باطلا بما ورد في بعض كتب التفسير حول معنى ( من الجنة والناس ) فيقول : الناس لفظ مشترك بين الجن والإنس , ويدل عليه قول بعض العرب جاء قوم من الجن , فقيل من أنتم قالوا أناس من الجن , وقد سماهم الله تعالى رجالاً في قوله ) يعوذون برجال من الجن ( " فعلى هذا يكون معنى الآية ؛ أن الوسواس الخناس يوسوس للجن كما يوسوس للإنس.
الجواب
اسوقة من خلال اقول المفسرين والمتمثلة في الاتي
- قال الشيخ عطيه سالم في أضواء البيان فقال (أما الراجح في الوجهين في معنى الناس المتقدم ذكرهما . لعدة وجوه
· الأول ، وهو أنهم الإنس ، وأن قوله تعالى? : {مِنَ ?لْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}، بيان لمن يقوم بالوسوسة ، أي بيان للوسواس الخناس وأنه من كل من وسواس الجنة ووسواس الناس . ويظهر ذلك من أمور : منها : أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته تبعاً له فهو في حق الناس أظهر ومنها : أننا لو جعلنا الناس الأولى عامة لمن يوسوس إليه كان من الجنة ، والناس مصدر الوسوسة ، فيكون من وسواس الناس من يوسوس في صدور الجن . وهذا بعيد .
· الوجه الثاني : أنه لو كان لفظ الناس يشمل الجن والإنس ، لما احتيج إلى هذا التقسيم الجنة والناس ، واكتفى في الثانية بما اكتفى به في الأولى ، وكان يكون الذي يوسوس في صدور الناس من الناس ، ولكن جاء بيان محل الوسوسة صدور الناس ، ثم جاء مصدر الوسوسة الجنة والناس ، واللَّه تعالى أعلم .
- وقال ابن القيم في تفسيره (القول ضعيف جدا لوجوه
· أحدها أنه لم يقم دليل على أن الجني يوسوس في صدور الجن ويدخل فيه كما يدخل في الإنسي ويجري منه مجراه من الإنسي فأي دليل يدل على هذا حتى يصح حمل الآية عليه
· الثاني أنه فاسد من جهة اللفظ أيضا فإنه قال الذي يوسوس في صدور الناس فكيف يبين الناس بالناس فإن معنى الكلام على قوله يوسوس في صدور الناس الذين هم أو كائنين من الجنة والناس أفيجوز أن يقال في صدور الناس الذين هم من الناس وغيرهم هذا ما لا يجوز ولا هو استعمال فصيح
· الثالث أن يكون قد قسم الناس إلى قسمين جنة وناس وهذا غير صحيح فإن الشيء لا يكون قسيم نفسه
· الرابع أن الجنة لا يطلق عليهم اسم الناس بوجه لا أصلا ولا اشتقاقا ولا استعمالا ولفظهما يأبى ذلك فإن الجن إنما سموا جنا من الإجتنان وهو الإستتار فهو مستترون عن أعين البشر قسموا جنا لذلك من قولهم جنه الليل وأجنه إذا ستره وأجن الميت إذا ستره
ج- ومن ما يبين عدم صلاحية الاحتجاج بما ورد في سورة الناس للاستدلال على دخول الشيطان البدن ورود بعض اليات المشابهة لها والمتمثلة في ما يلي
- قال تعالى ((قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ))
فلا يعني قول الله تعالى نزله على قلبك ان القران نزل به جبريل الى قلب النبي فدخل الى قلبه وهذا ما ذكر في اضواء البيان في تفسير القران بالقران حيث ورد (ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرآن في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من غير سماع قراءة ونظيرها في ذلك قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ} الآية [26/194،193]. ولكنه بين في مواضع أخر أن معنى ذلك أن الملك يقرؤه عليه حتى يسمعه منه، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه وذلك هو معنى تنزيله على قلبه. وذلك كما في قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [75/19،16]، وقوله: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} كذلك ورد في الجامع لأحكام القران (قوله تعالى : {فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} الضمير في "إنه" يحتمل معنيين ، الأول : فإن الله نزل جبريل على قلبك. الثاني : فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك. وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف)
- قوله تعالى (( نزل به لرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ)) فخص القلب للدلالة على وصول القران الى القلب لأنه مركز العقل وتلقي المعارف وهذا ينطبق على قوله تعالى في صدور الناس حيث يصل اثر الوسوسة الى الصدر حيث القلب ولا يدل بالضرورة على دخول الشيطان ولكن يدل على وصول الاثر وهو الوسوسة
- قوله تعالى ((كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ))
فسلكناه بمعنى ادخلناه وهذا لا يعني ادخال القران الى قلب المجرمين ولكن وصول معاينة الى قلوبهم وفهمها وهذا ما ذكره الالوسي في تفسير الآية حيث قال ({ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ المجرمين } على ما يقتضيه انتظام الضمائر السابقة واللاحقة في سلك واحد للقرآن وإليه ذهب الرماني . وغيره ، والمعنى على ما قيل مثل ذلك السلك البديع المذكور سلكناه أي أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين ففهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه خارج عن القوى البشرية ))
شبهه
قد يقول البعض ان مقارنة الآيات السابقة بما ورد في سورة الناس غير سليم وذلك لان الآية في سورة الناس تتحدث عن الشيطان وهو مخلوق بينما الآيات السابقة تتحدث عن القران وهو كلام الله فلا يصح ان نقارن بين مخلوق وبين كلام لنفي امكانية دخول الشيطان الجسد
الجواب
على العكس فان المقارنة صحيحة فالمتأمل في الآيات يمكن ان يعرف ذلك لسببين هما
1- الاول أن من نزل بالقران هو الروح اي جبريل على قلب النبي وقولي بالمقارنة بين جبريل لأنه ايضا مخلوق مثل ان الشيطان مخلوق و الآية لا تدل على دخول جبريل الى قلب النبي والتلبس به بل ايصال معاني وحروف القران الى قلب النبي
2- الثاني ترددات الاصوات التي نسمعها محصورة بين 20- 20000 ) هرتز وما تحت ذلك وما فوقه لا يمكن ان نسمعه وقد تكون هذه الترددات خاصة بالجن والملائكة والله اعلم ولاننا لا نسمعها بالأذان لانحصار الترددات السمعية وحيث ان الشيطان يوسوس فلا نسمع وسوسته با الاذان بل جعل الله مكان سماعها في الصدور ووسوس الشيطان كلام نسمعة بالقلب وكذلك القران كلام الله نزل به جبريل كلام القاه في قلب النبي فكان النبي يسمع جبريل والصحابة لا يسمعوه
وبذلك تصح المقارنة بين القران لأنه كلام القي الى قلب النبي وبين ووسوسة الشيطان فهي كلام يقذفه الشيطان الى قلب النبي
وبذلك تصح المقارنة بين القران لأنه كلام القي الى قلب النبي وبين ووسوسة الشيطان فهي كلام يقذفه الشيطان الى قلب النبي
الدليل الثالث
حديث أسامة ابن زيد عن المرأة التي عرضت بطفلها لرسول الله جاء فيه (، ثم تفل في فيه ، ثم قال : اخرج عدو الله فإني رسول الله ، ثم ناولها صلى الله عليه وسلم إياه فقال : خذيه فلن ترى معه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء الله تعالى
ويستدل القالين بإمكانية دخول الجن الانس بهذا الحديث حيث يقولون ان قول النبي في فم المولود اخرج يدل على دخول الجني والشيطان فيه فالخروج يقتضي الدخول))
والجدير ذكره ان الحديث فيه المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة وهو ضعيف غمزه يحيى القطان. واختلف فيه رأي ابن معين، والصواب ما وافق الجمهور. فيكون ليس فيه توثيق معتبر. ولذلك اعتمد ابن حزم تضعيفه. ويقوي ذلك وجود مناكير له مع قلة حديثه. أي لا يمكن أن تغتفر له المناكير لقلة ما روى.وفي كل الأحوال فهو لم يسمع من يعلى بن مرة، فالحديث منقطع
والرد على هذا الاستدلال ذكرة ايضا الباحث / حيث قال ((قول الرسول صلى الله عليه وسلم اخرج عدو الله كلام مجمل يحتاج إلى دليل يفصله فقد يكون الداخل شيطانا أو سحرا أو ضر أو حسدا أو غيرها مما يقال له عدو الله) )
الدليل الرابع /
ما من آدمي إلا لقلبه بيتان : في أحدهما الملك ، وفي الأخر الشيطان ، فإذا ذكر الله خنس ، وإن لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره في قلبه ووسوس له . ) –تحفة الذاكرين الشوكاني 28 (رجال الصحيح (
ويستدل القائلين بإمكانية دخول الشيطان جسد الانسان بهذا الحديث ايضا حيث يقولون ان قول النبي ان في القلب بيتان في احدهما ملك وفي الاخر الشيطان بإمكانية دخول الشيطان الى القلب لان فيه بيت له وهذه خلقة الله سبحانه وتعالى وهو الاعلم بها .
وقد رد على هذا الاستدلال ايضا بالقول ان كان الحديث صحيح ففهمه هو الخطاء وقال الباحث رافت ايضا ((ولو حملنا هذا الحديث على ظاهره لكان الشيطان بداخل كل إنسان على وجه الأرض وكل أهل الأرض (ممسوسين )ولا فرق بين راق ومرتق وصارت قلوبنا بيوتا للشيطان حتى ولو ذكرنا الله لان الحديث لا يقول إن الشيطان يخرج بذكر الله من القلوب ومعرف في اللغة أن البيت من البيتوتة أي أن الشيطان يبيت في قلوبنا وهذا غير صحيح مطلقا فرغم تعبير النبي صلى الله علية وسلم بقوله في احدهما الشيطان فلا يوجد عاقل يفهم العربية يحمل هذا النص على ظاهره وإنما المقصود أن الشيطان له مدخل يدخل به على ابن ادم وغاية عمله هو الوسوسة لقوله صلى الله عليه وسلم ووسوس له ونفهم أيضا أن الخروج من هذه الوسوسة يكون بذكر الله سبحانه فيخنس الشيطان أي يسكت و يتضاءل))
والجدير ذكره ورود احاديث أخرى مشابهه لهذا الحديث وفيها اقول جميله للعلماء من بين هذه الاحاديث حديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس " . رواه البخاري معلقا ))
واسوق اليكم ماورد في تفسير هذا الحديث من قبل القائلين بعدم امكانية دخول الشيطان الى الجسد ومنها :
· جاء في شرح مشكاة المصابيح في تفسير هذا الحديث : ( أي : لازم الجلوس ودائم الالتصاق ( على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله ) : أي : ابن آدم بقلبه ، أو ذكر قلبه الله ( خنس ) : أي : انقبض الشيطان وتأخر عنه واختفى ، فتضعف وسوسته وتقل مضرته ، ( وإذا غفل ) : أي : هو ، أو قلبه عن ذكر الله ( وسوس ) : أي : إليه الشيطان وتمكن تمكنا تاما منه ، وفيه إيماء إلى أن الغفلة سبب الوسوسة لا العكس على ما هو المشهور عند العامة ) ولو حملنا هذا الحديث أيضا على ظاهره لكان الشيطان جاثم على قلوب الناس أجمعين بلا استثناء لان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر بلفظ من ألفاظ العموم بقوله جاثم على قلب ابن ادم فلا فضل للراقي على المرتقي لان كلاهما الشيطان جاثم على قلبه وهذا ليس صحيحا ولا يوجد عاقل يفهم العربية يحمل هذا النص على ظاهره وإنما المقصود شديد الملازمة لابن ادم وذكر الله هو العلاج .
وعليه ومما سبق فان الاحاديث يفسر بعضه البعض بان مدلولها هو دخول وسوسة الشيطان لا دخول الشيطان نفسة أي دخول وسوسته داخل قلب الإنسان وتفكيره مما يجعله متخبطا فإذا ذكر الله ذهب كل ذلك عنه لان الشيطان لا يجتمع مع ذكر الله في مكان واحد وذكر الله تحفه الملائكة لذلك
وسأقدم كلام علمي عن طريقه سماع الشيطان بالقلب في مبحث الادلة العلمية في المباحث القادمة انشاء الله تعالى
وسأقدم كلام علمي عن طريقه سماع الشيطان بالقلب في مبحث الادلة العلمية في المباحث القادمة انشاء الله تعالى
الدليل الخامس
حديث أم المؤمنين صفية ( رضي الله عنها )(: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ، أو قال : شيئا ))
ويستدل القائلين بإمكانية دخول الجن في الانس بهذا الحديث ويقولون قول النبي يجري من ابن ادم مجرى الدم أي في مجرى الدم ومجرى الدم داخل العروق داخل الجسد
وقبل أن اوضح عدم صلاحية الاستدلال بهذا الحديث على دخول الشيطان الى الجسد كما يفهمها القائلين بدخول الشيطان وتمكنه من صرع الجسم والتكلم بلسانه
واليكم اقول العلماء في شرح هذا الحديث والمتمثلة في الاتي
· قال الحربي في شرح هذا الحديث حيث قال : هذا تمثيلٌ : أي حينئذ يتحرَّك الشيطانُ ويَتَسلَّط وكذلك قوله [ الشيطانُ يَجْرِى من ابن آدم مَجْرَى الدَّم ] إنما هو أن يَتَسلَّط عليه فيُوسْوِس له لاَ أنه يَدْخل جَوفه
· قال الشيخ منير عرب لرابطة العالم الإسلامي ما نصه( وأي إنسان يعرف اللغة العربية فانه يقول لك إن مدلول الحديث ومعناه أن مقصد الرسول عليه السلام إنما تحذير الأنصاريين من أن الشيطان موسوس ومغرض وأنه يسري بوسوسته في داخل الإنسان كما يجري الدم في العروق فهو تشبيه منه صلى الله عليه وسلم لهذين الصحابيين انما هي صفية بنت حيي حتى لا يذهب بكما الشيطان ويؤول لكما إني معي امرأة أخرى فحاشاه صلى الله عليه وسلم من الزلل ولكن لأن الشيطان يغوص في النفس ولذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم في موضع آخر (الحمد لله الذي رد كيده في الوسوسة والتحريش بين الناس) وللنظر إلى الصحابيين عندما قال لهما إنها صفية تعجبا من القول وقالا سبحان الله بمعنى أمنك أو فيك نشك يا رسول الله وهذا المعنى الحقيقي لهذا الحديث ولا يؤل على محمل آخر أبدا والذي دعاني أن أتوسع في الحقيقة في هذا الأمر هو الجهلاء والدخلاء على الرقية الشرعية والذين أصبحوا يؤلون هذا الحديث بحسب أهوائهم . وفهمهم الخاطئ إذ يحملون الحديث ما ليس فيه وليس منه بل ويكذبون على الناس والعامة بهذا الحديث وتوسعوا جدا في موضوع التلبس وان الشيطان إنما هو دم وان الشيطان يسري مع الدم وان الشيطان يخرج مع الدم وان بعضهم يقوم بجرح المريض بدعوى إخراج الجني منه والبعض الأخر يستخدم الإبرة الخاصة في سحب الدم التي يستخدمها المستشفى في سحب الدم من المرضى للتحاليل المختبرية . ويقوم هذا الراقي أو مدعي الرقية بسحب الدم من المريض ويقول مدعيا بأنه أخرج الجني وما إلى ذلك من الأمور التي فيها من الكذب والإيهام للناس بما الله به عليم . بل وتطور الأمر كذلك عند الحجامين الذين انتشروا في هذا الزمان وهم ليسوا بصادقين إلا من رحم الله منهم وما هم إلا قليل بحيث أن المحجم الذي يقوم بالحجامة يتكلم مع المريض بأشياء تعد من الغيبيات بل في بعض الأحيان يقول للمريض بأنه يعرف بلون الدم إذا كان الإنسان مصابا بعين أو بسحر أو بمس من الجان وهذا انتشر بين الناس ونحن نرغب بسنن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يجب أن نضع حدا لمثل هؤلاء الدخلاء والجهلاء سواء كان ذلك في الرقية الشرعية أو الحجامة الذين يشوهون السنن ويدجلون على الناس ويضحكون على من لم يحظى بشيء من العلم الشرعي وكل ذلك باسم السنة النبوية والسنة بريئة مما يمارسه هؤلاء وأمثالهم
· وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه
والان دعونا نبين عدم صلاحية الاستدلال بهذا الحديث على الدخول والصرع والتحدث بلسان الممسوس وذلك من عدة اوجه هي :-
- قال النبي علية الصلاة والسلام يجري من ابن ادم ولم يقل في ابن ادم والمعروف في اللغة العربية ان في حرف جر من دلالاته ظرفية المكان والموضع أما من فهو حرف من دلالاته ظرفية الحال فيكون المعنى أن الشيطان يجرى من ابن ادم كما يجري الدم للدلالة على استمرار ملاحقة الشيطان للإنسان وان حاله كحال جريان الدم المستمر في الجسم فهو لا يتوقف عن ملاحقة ابن ادم بالوسوسة كما لا يتوقف الدم في عروقه عن الجريان وفي هذا اشارة الى ان الشيطان لا يتوقف عن الوسوسة للإنسان ال اذا توقف جريان الدم في عروقه وهذا يكون عند موته
- في نهاية الحديث بين النبي عليه الصلاة والسلام الغرض من هذا التشبيه فقال ((وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا )) فالدم يصب في القلب ووسوسة الشيطان تكون في القلب ولا يعني ذلك ان يدخل الشيطان الى القلب ليوسوس فيه كما وضحنا ذلك في سورة الناس سابقاً )) وهذا ايضا ما نستنتجه من قول النبي ( يقذف في قلوبكما ) فلو كان الشيطان يدخل القلب لما احتاج ان يقذف بالوسوسة الى القلب لان قذف الشيء الى داخل أي مكان لا يكون الا من خارجه , فقصد النبي ان يبين ان الشيطان يلاحق الانسان كما يجري دمه في عروقه ويقذف بوسوسته الى القلب كما يقذف الدم اليه من العروق ))
- نلاحظ ان النبي قال لهما الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم لصحابيين وخاف ان يقذف في قلبهما الشك فلو سلمنا بان معنى يجري من ابن ادم هو ان الشيطان يدخل في ابن ادم لكان كل انسان بداخله شيطان لعموم ابن ادم في الحديث فلم يقل من الممسوس بل قال من ابن ادم ثم ان خوف النبي من ان يلقى في قلب الصحابيين الشك لا يدل على انعما ممسوسان او بداخلهما جني او شيطان فمعنى الحديث هو تبيين حال الشيطان مع جميع المسلمين ومع جميع بني ادم فهو يلاحقهم ويجري ورائهم كجريان الدم في عروقهم باستمرار ولوا سلمنا ان معنى الحديث دخول الشيطان في الجسد وصرعه لفهمنا من ذلك ان النبي خشي ان يكون الصحابيين ممسوسين وبداخلهما شيطان وهذا غير سليم ولا يعبر عن قصد النبي اطلاقا
وعلية يمكن القول ان الحديث يدل على ملازمة الشيطان لابن ادم كما يلازمه دمة ولا يصح الاستدلال به على دخوله في الجسد
الدليل السادس
قوله تعالى ((وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا))
فيقول القائلين ان الشياطين يسكن جسد الانس ان هذه الآية دليل على تسلط الشياطين على البشر ودخولهم بداخلهم وصرعهم ويستدلون بقوله تعالى فزادوهم رهقا ))
والحقيقة انه ليس في هذه الآية دليل على ما قاله من يستدلون بها لا من قريب ولا من بعيد واليك ما ورد في تفسير هذه الآية واكتفي بما ورد في التسهيل في علوم التنزيل لابن جوزي (({ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن } تفسير هذا ما روي أن العرب كانوا إذا حل أحد منهم بواد صاح بأعلى صوته : يا عزيز هذا الوادي إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك ، ويعتقد أن ذلك الجن الذي بالوادي يحميه { فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } ضمير الفاعل للجن ، وضمير المفعول للإنس ، والمعنى : أن الجن زادوا الإنس ضلالاً وإثماً لما عاذوا بهم ، أو زادوهم تخويفاً لما رأوا ضعف عقولهم ، وقيل : ضمير الفاعل للإنس ، وضمير المفعول للجن : والمعنى إن الإنس زادوا الجن تكبراً وطغياناً لما عاذوا بهم ، حتى كان الجن يقول : أنا سيد الجن والإنس))
مما سبق يتبن لنا انه لا يوجد دليل صريح يدل على إمكانية دخول الجني جسم الإنسان أي ما يعرف بالمس وإنما كلها تأويلات للآيات والأحاديث تقبل العديد من المعاني وان من انكروا الاستدلال بها انها غير صريحه ولكنها من المتشابهات التي لا يمكن ان يدرك معناها الا الراسخون في العلم
الدليل السابع
[ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (، أَنَّ النَّبِيَّ ( قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ. ] صحيح مسلم، 23/238[.
وهذا الحديث ايضا يستدل به بعض القائلين بإمكانية دخول الشيطان في الجسد وقبل ان ابين عدم صلا حية الاستدلال بهذا الحديث دعونا نقف وقفة مع شرح الحديث من كتب شروح الاحاديث كما يلي
· قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( الجزء الثاني، ص: 129 ): قال العلماء: الخيشوم أعلى الأنف, وقيل: هو الأنف كله، وقيل: هي عظام رقاق لينة في أقصى الأنف بينه وبين الدماغ, وقيل غير ذلك، وهو اختلاف متقارب .
· قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - : يحتمل أن يكون قوله (: " فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " على حقيقته، فإن الأنف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها، لاسيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الأذنين ... وجاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذ في الفم. قال: ويحتمل أن يكون على الاستعارة، فإن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة
والان دعوني ابين عدم صلاحية الاستدلال بهذا الحديث على دخول الشيطان في جسد الا نسان بالطريقة التي يفهمها القائلين بدخول الشيطان البدن وصرع الممسوس والتكلم بلسانه وذلك على النحو التالي :
- الوجه الاول / الفرق بين دخول الجسد كما يفهمه القائلين بدخول الشيطان الجسد وبين الدخول الى منفذ من الجسد فمن يقول بإمكانية دخول الشيطان الجسد يقولون ان الشيطان يصرع الجسم ويتحكم في حركاته ويتكلم بلسانه وذا يعني ان الشيطان اصبح في مركز التحكم بالجسم واصبح بمثابة روح اخ يسكن الجسد , أما كون الشيطان يبيت في خيشومه فهذا امر طبيعي فهو جزاء خارجي من الجسد وتجويف تستطيع ان تدخله حتى الحشرات وبالتالي حتى وان سلمنا بإمكانية دخول الشيطان الجسد فهذا الدليل غير صالح للاستبدال به على هذا لعدم وجود علاقه بين الانف والخيشوم ودخولها وبين الجسد وصرعه والتكلم بلسانه
- الوجه الثاني / الحديث عام لكل مسلم فلوا سلمنا بصلاحية الاستدلال به على الدخول بمفهوم القائلين به لكان كل انسان ممسوس لان الشيطان يبيت في خيشومه ولا فرق بين راقي ومسترقي فكلهم الشيطان دخل كل ليله الى خيشوم
- الوجه الثالث النبي قال يبيت في خيشومه والخيشوم جزاء من الجسد ويقع خارج الجسد أي في الاجزاء الخارجية والظاهرة ويستطيع ان يدخل فيها الحشرات والغبار فلا يصح ان نستدل بمبيت الشيطان في جزاء خارج الجسم على استطاعته دخول الجسد وصرعه والتحدث بلسانه لان الفرق كبير بين الاجزاء الداخلية والخارجية فالدماغ مثلا لا يمكن الوصول الى داخلة من المنافذ الخارجية للجسم وكذلك القلب بل الصدر فحين تشرب ماء لا يدخل الرئة بل المعدة وهذا سأوضحه في الادلة العلمية انشاء الله واكتفي هنا بتوضيح ان مبيت الشيطان في تجويف خارجي من الجسم يستطيع ان يبيت فيه الحشرات وغيرها من الهوام فلوم استيقظ الانسان ووجد برغوث في انفه لا يمكن ان يقول ان البراغيث يمكن ان تدخل جسد الانسان وتعيش فيه
وبالتالي يتضح عدم حجية الادلة السابقة في اثبات تمكن الشيطان من دخول جسد الانسان حيث ان من استدلوا بها فهموا دلالاتها وفسروها تفسير جزئي واعتمدوا على ظاهر الآيات لا على مقاصدها
وراينا ايضا ان هذه الادلة يمكن ان تكون حجة لأثبات عدم قدرة الشيطان على الدخول الى البدن وذلك من خلال ما نفهمه من مدلولات الآيات وشروح الاحاديث ضمن التفسير الموضوعي للقران الكريم والسنة النبوية
وعلية يمكن لنا القول إن ما ورد من آيات حول موضوع مس الجن للأنس لا تشير من قريب ولا بعيد إلى دخول الجن في جسد الإنسان، فهي غير صريحة والخطاء وقع في فهمها والاستدلال بها وكذلك ما ورد من أحاديث بالنسبة للتلبس فهي بين امرين :
- صحيحها غير صريح ويحتمل العديد من المعاني والدلالات
- صريحها غير صحيح.وان وجد حديث صريح في الكتب الستة فله روايات اخرى اصح منه في البخاري أو مسلم وبلفظ أخر لا يدل على الدخول
هذا وبالله التوفيق والسداد
اخى الكريم :
ردحذفكما ذكرت انت هذه مسألة فقهية ..ولكن الراجح والثابت عند اهل السنة ..هو دخول الجنى جسد الانسان ..
اخي يمكن ان يكون الراجح عند من يقولون به وغير راجح عند من لا يقول
حذفمن كلامك ..يقول ان الجن لا يدخل جسد المريض ابداا.تذكر ان هذه المسألة فقهيه فلا داعى لانكار الرأى الاخر ..اما عن مقالك فنا استطيع الرد عليك بأضعاف واضعاف المقالات وتثبت دخول الجن جسد المريض ..لا داعى لانكار الرأأى الاخر اكرر ..
ردحذفوانت بالاختيار .. ولكن تذكر القاعدة الفقهية .. " لا إنكار فى المختلف فيه " ..
يعني اختار الراى الذى تحب دون الطعن فى الراى الاخر .. ولكن اجمع بين الاراء .. واصنع ما يطمئن له قلبك ..
وعن نفسي أميل للرأي الثاني ..
طيب وما نشاهده ونسمعه عند علاج شخص مصاب بمس عند الرقاه ما تفسيره لو سمحت
ردحذف